عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه
عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » . رواه مسلم، وفي رواية له: «
المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله » .
هذا اللفظ الموجز البليغ الذي نطق به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ورسم
فيه ما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية من التماسك والترابط وشد بعضهم بعضاً
حيث شبهها بالجسد الواحد إذا أصاب المرض منه عضواً واحداً أصاب جميعه القلق والسهر
وعدم الهدوء والراحة التي كان ينعم بها حينما كان صحيحاً، يا ترى هذه الأمة المسلمة
المتصفة بهذا الوصف العظيم الذي يقوم فيه المسلم بحق أخيه المسلم في أي مكان وجد
وبأي لون اتصف وبأي لغة تكلم، ما دام مسلماً {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} هل هي موجودة الآن، وهل وجد لها هذا الوصف في ماحي
التاريخ؟
إذا رجعنا إلى العصر الأول عصر الترابط والتضحية والجهاد في سبيل الله لتكون
كلمة الله هي العليا وجدنا ذلك واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار.
نجد من يضحي بحياته فينام على السرير الذي يعلم يقيناً أن سيوف المشركين
تترقب الانقضاض على صاحبه ويتغطى ببرده عليه الصلاة والسلام.
وذلك هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونجد آخر يجاهد بنفسه وماله - كما هو
واضح من سيرة الصديق رضي الله عنه - ونرى عثمان رضي الله عنه يجهز جيشاً
كاملاً.
ونجد مثالاً رائعاً في الإيثار والتضحية والتعاطف والتراحم ذلك هو ما وقع في
معركة القادسية، إذ عرض الماء على جماعة كل واحد منهم في آخر رمق من حياته وهو
بحاجة إلى جرعة ماء ليهون بها عن نفسه من سكرات الموت، فينظر إلى آخر فيراه ينظر
إليه فيعلم أنه في حاجة إلى الماء، فيقول للساقي: قدمه إليه لعله أحوج مني، وهكذا
إلى أن يصل إلى آخرهم وكل واحد منهم يؤثر أخاه على نفسه، ثم يرجع الساقي إلى الأول
فيجده قد قضى نحبه، فإلى الثاني كذلك ويلقون ربهم جميعاً ويبقى الماء.
كما نجد في التاريخ أيضاً امرأة هتكت حرمتها فنادت: وا معتصماه! فجهز جيشاً
كاملاً.. استجابة لدعوتها.
بعد هذه المقدمة القصيرة نلقي نظرة على واقع مسلمي اليوم ومدى ترابطهم وشد
بعضهم بعضاً على ضوء هذا الحديث النبوي الكريم.
مع مقارنته بما عليه أعداء الله والذين هم على دين انتهت مهمته بالرسالة الشاملة
الكاملة.
تعرف أيها القارئ الكريم ما حدث في فلسطين من قادة الكفر في أنحاء العالم ومدهم
الشرذمة الذليلة المشردة المضروب عليها بالذلة والمسكنة إلى يوم القيامة بما
يحتاجونه من سلاح وغيره إعداداً للنيل من الإسلام والمسلمين، وما حدث أثر ذلك من
القتل الجماعي وتهديم المساكن , والمساجد التي يذكر فيها اسم الله، وتشريد أهلها
إلى مخيمات لاجئين يقاسون ما يقاسون من البرد القارس في الشتاء والحر المهلك في
الصيف، ويعانون الأمراض التي تجتاحهم وأطفالهم ونساءهم.. كل ذلك يجري ويزداد يوماً
بعد يوم بإجلاء العائلات ونسف مساكنها.
بل على العكس نسمع وكالة غوث اللاجئين تدعي عجزاً في ميزانيتها وتأتي بشتى
الوسائل لإسقاط بعض ما تدفعه لهؤلاء المنكوبين، بدعوى أن أكثرهم ينتسبون لجهات
تستطيع الوكالة بأسبابها إسقاط ما يستحقون ولا غرابة في ذلك فمن المشرف على هذه
الوكالة؟
وما ذلك إلا لأن ما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم الأمة الإسلامية من
التعاطف والتراحم وجعلها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
بالسهر والحمى.
ولا يوجد إلا قليلاً - ولا يمكن تحققه إلا إذا وجد من يتصف بتلك الصفات التي
اتصف بها أسلافنا وأين ذلك في هذا العصر الذي تحقق فيه ما ثبت عنه صلى الله عليه
وسلم من حب الدنيا وكراهية الموت، ونعود لذكر ما أشرت إليه من المقارنة بين
المسلمين على ضوء الحديث وبين أعداء الإسلام وشد بعضهم بعضاً.
سمعنا جميعاً ما حدث في نيجيريا من الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من سنتين
وانتصار الاتحاديين على البيفريين الانفصاليين.
فقد ضجت النصرانية والصهيونية في أقطار العالم من حكومات وجمعيات وكنائس وكل
نصراني في العالم خوفاً على إخوانهم في بيفري أن يفتك بهم من قبل أعدائهم، كأنما
يمثلون - ويا للأسف - ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة المسلمة إذا
اشتكى واحد منهم هب الجميع لنصرته وإغاثته.
ثم ما قدمته هذه الحكومات والجمعيات والكنائس من إعانات مالية تتمثل في ملايين
النقود ومئات الآلاف من الأطنان الغذائية والكميات الهائلة من الأدوية والمستشفيات
المتنقلة والأطباء والممرضين وغير ذلك.
كل هذا نقوله بأسف وأسى لما صار ويصير على المسلمين في فلسطين وروسيا
وتنزانيا والهند وغيرها من البلدان الإسلامية التي يتعرض سكانها لكل كارثة من قتل
ونسف وتشريد عوائل ولا معتصم يجيب، فهل ستعود الأمة الإسلامية كالجسد الواحد؟ ذلك
ما نرجوه وما هو على الله بعزيز.