الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آلهوصحبه ومن
والاه .
وبعد
قال أحد الحكماء : « ثلاثة لا يُُعرَفون إلا في ثلاثةمواطن : لا يُعرف الحليم إلا عند الغضب ، ولا
الشجاع إلا في الحرب ، ولا الأخ إلاعند الحاجة »
.
وهذا صحيح ؛ فالشدائد تكشف كوامن الأخلاق ، وتسفر عن حقائقالنفوس ،والرجال لا تُعرف إلا عند المواقف
والفتن والأزمات .
قد تمر بالإسلامأزمات، قد تمر
بالمسلمين شدائد وضائقات، قد يمر بالمسلمين عُسر شديد، تنقطع بهمالسبل، فيتحير الناس ويضطربون، ويميدون ويحيدون
عن شرع الله، فترى الناس متفرقينشذر مذر، لا يرى أحدهم
الحق ولا يتبعه، حيَّرتهم فتن الحياة الدنيا، فاضطربوااضطراباً
شديداً، وتبعثروا وتفرقوا، فمَن الذي يثبِّت في هذه الحالة؟ ومَن الذييقوم بواجب التثبيت؟ أنهم رجال المواقف قال
تعالى: «قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَيَخَافُونَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَادَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى
اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْمُؤْمِنِينَ»
[المائدة:313]
حاصر خالد بن الوليد ( الحيرة ) فطلب من أبي بكرمدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن
عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيهمثله، وكان
يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل!
ولما طلب عمرو بنالعاص المدد من أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه : (أما بعد : فإنيأمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف : رجل منهم
مقام الألف : الزبير بن العوام،والمقداد بن عمرو،
وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد).
إن خير ما تقوم به دولةلشعبها،
وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلهامن صحافة وإذاعة،ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه
الرجولة، وتربية هذا الطراز منالرجال.
إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد
يزنشعباً بأسره، وقد قيل:
رجل ذو همة يحيي أمة.
يُعد بألف من رجال زمانه …لكنه فيالألمعية
واحد.
الأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون الدين وهمّ الدين ويسعونجادّين لخدمة دينهم وأوطانهم شعارهم «من
المؤمنين رجال».
رجال لا يُقاسون بضخامةأجسادهم
وبهاء صورهم، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "أمر النبي -صلىالله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد على شجرةٍ أمره
أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلىساق عبد
الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله -صلىالله عليه وسلم-: «مما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد
الله أثقل في الميزان يوم القيامة منأحد»(أخرجه
أحمد)
الأمة بحاجة اليوم إلى رجال يتربون على عظائم الأمور ومكارمالأخلاق ، صفوفهم منتظمة ، حريصون على الوحدة
والائتلاف وليس الفرقة والخلاف ،يعلمون أن الغضب لله
لا يعني الجور وتجاوز الحدّ الشرعي في إنكار المنكر .
رجالهممهم عالية ، صبرٌ
على المحن ، وبُعدٌ عن الفتن ، عقولهم متزنة ، جنوبهم لينة ،أخطاؤهم معدودة ، إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم ،
وإذا تُليت عليهم آياته زادتهمإيماناً وعلى ربهم
يتوكلون ، دامعة أعينهم ،حزينة قلوبهم ، يبكون يوماً قصيًرالغد طويل ،
لا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا ، ولا يفرحون بما أتاهم منها أنفاسهمطويلة مثل طول طريقهم .. وآراءهم حكيمة على مثل
ما يواجهون ..
إنهم رجال لايُعرفون عند الاتفاق
بل عند الاختلاف ، حيث يُسفر الاختلاف عن مدى ورع الإنسانوحلمه ، وتحريه والتزامه العدل والإنصاف.
هم الصف الأول ، هم النخبة الموجهة ،هم الصفوة
المنتقاة ، هم حراس الأمة وقادتها وعقولها .
رجال هم عين الأمةوضميرها ، رجال يذودون
عن الأمة ، ويدافعون عنها ، ويدفعون الأعداء ، رجال يوجهونالأمة ، وبهم تسترشد الأمةرجال تحتاجهم الأمة في كل ظروف تاريخها الطويل ،وحاجتها إليهم اليوم أشد ، إنهم رجال المواقف
...
القادرون على بيان الحق برحمةوإشفاق ،
القادرون على إعانة المخطئ في العودة عن خطئه بالحكمة والموعظةالحسنة.
القادرون على إعادة التوازن في الأمَّة بأناتهم وحلمهم ، وخاصة
عند ظهورفتنة الاختلاف وكثرة
الرويبضات ؛ فهم ملتزمون ببيان الحق بدليله ، وتصحيح الخطأ ،ولكنهم في الوقت نفسه حريصون على تماسك الصف
وثبات أركانه ،يعلمون أنَّ غفلتهم عنأحد هذين
الركنين ستكون سبباً للتصدع وفساد ذات البين وذهاب الريح .
إنَّ روَّادالأمة يقفون على أرض
راسخة من البصيرة والورع لا يستفزهم الجدل ، ولا تثيرهم أهواءالناس ، بل تراهم يأخذون بحظ وافر من النصيحة
والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ،وليس كل أحد يستطيع أن
يبصر مآلات الأمور ، وليس كل مبصر لها قادر على درئها .
أنهم رجال ينظرون بعين المصلح الذي يرعى المقاصد الشرعية المأمور
بها جميعها،فيقدمون أولاها
وأقربها لمراد الله عزَّ وجل ومرضاته .
رجال المواقف هدفهموغايتهم
رضا الله جل وعلا ،لا يريدون جزاءً ولا شكورا شعارهم: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِيوَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ }[الأنعام:162]
جعلكم الله منهم إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى اللهم على
نبينا محمدوعلى آله وصحبه وسلم.