جاء أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى مكة وأعلن إسلامه، لكنوجود شخصية متوقدة حماساً ضد الظلم والطغيان لا يناسب المرحلة الحرجة التي كانت تواجهها الدعوة، فأمره الرسول eبالرجوع إلى قبيلته ودعوتهم إلى الله والتريث وقال له:"ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيكأمري".
وكذلك عندما جاء أبو ذر t إلى النبي e يطلب الإمارة ردَّه لعدم قدرته على القيام بمسؤولياتها. ففي صحيح مسلم عن أبي ذرt :قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: " يا أباذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدّىالذي عليه فيها".
لكن النبي e لم يقل هذا القول لأبي بكر أو لعمر رضي الله عنهما، بلأشار إلى إمارتهما من بعده. روى الإمام أحمد وحسنه وابن ماجه عن حذيفة t مرفوعاً : "اقتدوا باللذين من بعدى أبي بكر وعمر".
وقال e: " سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر". رواه ابن حبان.
قال العلماء فيه إشارة إلى خلافة الصديق t؛ لأن الخليفة يحتاج إلى القرب من المسجد لشدة احتياج الناس إلى ملازمته له للصلاة بهم وغيرها.
وروى الإمام مسلم وأحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله e في مرضه الذي مات فيه: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر".
وفي معركة خيبر قال e: "لأُعطين الراية رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"، فبات الناسيَدُوكُونَ ليلتهم أيهم يُعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله e كلهم يرجون أن يعطاها فقال e: "أين عليّ بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسولالله! يشتكي عينيه. قال: "فأرسلوا إليه"، فأُتي به فبصق رسول الله e في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية". رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ومن ذلك أيضاً ما رآه e من حنكة خالد بن الوليد العسكرية والحربية، وقدرته على رسم الخطط وإنجاحهابأقل الخسائر الممكنة، فسلمه قيادة الجيش، ففتح الله على يديه بلاداً كثيرة.
ولما رأى e فيمعاذ بن جبل الأنصاري نفساً فقيهة بالحلال والحرام أرسله إلىاليمن قاضياً ومفقّهاً وأميراً.
وكذلك تعاهد e عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما لمس من ذكائه ونبوغه وتعلق نفسه بالعلم، حتى إنه كان يأذن له أن يبيت معه في داره في ليلة خالته ميمونة، فأصبح ابن عباس ترجمان القرآن.
وأما حسان بنثابت e فلم يكن من أهل القتال ولا من أهل الفقه، بل كانت نفسه تمتلكموهبة شعرية نادرة وقريحة حاضرة، فتعامل النبي e مع هذهالموهبة بما يليق بها، ووظفها فيمجالها المناسب. ففي صحيح مسلم أن النبي e قال له: "اهجُ قريشاً؛ فإنه أشد عليها من رشق النبل"، فقال حسان t: "قد آن لكمأن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه" (يقصد: لسانه)، ثم قال: "والذي بعثك بالحقلأفرينهم بلساني فري الأديم"، فقال e: "إن روح القدس لا يزاليؤيدك ما نافحتَ عن الله ورسوله"، وفي رواية أخرى للبخاري: "اهجهم -أو هاجهم - وجبريل معك".
أما منهجه e في التعامل مع الأخطاء، فقد تجلى في صور عديدة منها:
الإشارة إلى الخطأ جملة بذكر بعضه والإعراض عن بعض {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّإِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُعَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}.
عدم تسمية المخطئين، بل كان يعرض بالخطأ الذي فعلوه فقط.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَىالنَّاسِ فَقَالَ:"مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُومُ مُسْتَقْبِلَ رَبِّهِفَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِيوَجْهِهِ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَقَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا، فَتَفَلَ فِيثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ". رواه مسلم.
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيَُّe: "مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْإِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَال لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ". رواه البخاري.
وعن عَائِشَةُ رضي الله عنهاقالت: صَنَعَ النَّبِيُّ e شَيْئًا فَرَخَّصَفِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ e فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ:"مَا بَالُ أَقْوَامٍيَتَنَزَّهُونَ عَن الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُمْبِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً". رواه البخاري ومسلم.