د. سعد بن عبدالله البريك
رسم النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً في التعامل مع النفس سواء كانت أمارة بالسوء أو لوامة أو مطمئنة، في غاية العدل وفي منتهى الحكمة، فكل نفسها لها ما يناسبها من التعامل والمعاملة.
فمن كانت نفسه تميل إلى التشدد ناسبه الزجر، ومن كانت نفسه تميل إلى التفلت ناسبته الحجة والإقناع، ومن كانت فيه غلظة كان الحلم والصبر خير أسلوب للتعامل معه، ومن كان متميزاً في العلم علمه وأعانه، ومن كان أميناً مدحه بذلك تثبيتاً له، ومن توسم فيه صفات قيادية للحرب ولاه قيادة الجيش.
وكان الرفق هو الإطار العام والمنهج الشامل لتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مختلف النفسيات والعقليات {ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك }. وكما قال صلى الله عليه وسلم :"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه ". رواه مسلم.
* أما الأنفس الطائعة الزكية، فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يثني على أصحابها تشجيعاً لهم وتحفيزاً للمزيد، ومن ذلك :
أنه ضرب على صدر أبيّ بن كعبقائلاً : " لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذر".
وسمى أبو عبيدة " أمينُ الأمة ".
وابن مسعود "غلامٌ معلَّمٌ.
والزبير"حواريُّ الرسول".
ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "منجهز جيش العسرة فله الجنة"، جاء عثمان بن عفانرضي الله عنه بألف دينار فصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم:"ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم".
ولما قال أبو هريرة رضي الله عنه: يا رسول اللهمن أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟. قال له رسول اللهصلى الله عليه وسلم:" لقد ظننت يا أبا هريرة أن لايسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه. والحديث عند البخاري.
أما منهجه صلى الله عليه وسلم في التعامل النفوس ذات الهمم العالية، فهو التشجيع وإسناد المهمة المناسبة للشخص المناسب. ومن ذلك :
أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالهجرة إلى الحبشة لحاجتهما إليهما في مكة، لكنه أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه بذلك لأن بنيته نحيفة، ومن الصعب عليه أنيتحمل العنت والمشقة والأذى، ولأنه أفضل من يستطيع رعايةالمسلمين في الحبشة.
جاء أبو ذر الغفاري رضي الله عنه إلى مكة وأعلن إسلامه، لكنوجود شخصية متوقدة حماساً ضد الظلم والطغيان لا يناسب المرحلة الحرجة التي كانت تواجهها الدعوة، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلىقبيلته ودعوتهم إلى الله والتريث وقال له:"ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيكأمري".
وكذلك عندما جاء أبو ذر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب الإمارة ردَّه لعدم قدرته على القيام بمسؤولياتها. ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه :قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: " يا أباذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدّىالذي عليه فيها".